الماء أصل الحياة به نحيا ونتطهر
وجعلنا من الماء كل شيء حي" "الأنبياء30" "الماء" لفظ حير العلماء الذين كشفوا أنه مركّب كيميائي متألف من عنصرين متحدين هما: الأوكسجين والهيدروجين، فاعترفوا أنه يحوي كل العناصر والمواد الكيميائية الممكنة، ذائبة منتشرة، ولها صلة متينة بالحياة. ذكره القرآن عديد المرات بعدة معان منها المنفعة والرزق "كلوا واشربوا من رزق الله" "البقرة60"، والبركات "لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" "الأعراف96"، والرحمة "وليذيقكم من رحمته" "الروم46".
فالله تعالى يذيق عباده من آثار رحمته بالمطر. لقد أشعر الإنسان بمنافع الماء المادية والمعنوية بمختلف الأساليب، وفي شتى الصور، وكشف عن الصلة الوثيقة بين تلك المنافع، وتكريم الانسان، والإعلاء من شأنه، فإلى جانب تطهير الأجسام والمنفعة المعنوية المتمثلة في الربط على القلوب، وتثبيت الأقدام لبعث الطمأنينة والثقة "وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام" "الأنفال11"؛ إلى جانب تلك المعاني السامية تتجاوز المنفعة ذات الإنسان، إلى ما في الطبيعة من حيوان ونبات سخّر لخدمة البشر، فقرن الخالق سقي الإنسان في بعض المواضع بسقي النبات والأنعام، لما تضمنته من إنعام على الإنسان نفسه "ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا" "الفرقان49".
فدليل شمولية المنفعة تقديم سقي النبات والحيوان على الإنسان. وقد عرضت عدة مظاهر تجلت فيها نعمة الماء كونه شرابا لبني الإنسان، وسببا في الشجر الذي ترعى فيه دوابهم، "أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات "النحل11".
ولتوثيق الصلة بين الانسان والنعم المائية ذكر القرآن الانسان بأسلوب الوصف الدال على المنفعة والخير، لتقريب الفهم بالتغيير أثناء كلامه عن البحر، هذا الذي كان يخشاه الانسان الأول، ويحسبه مصدرا للشر والرهبة والغموض، ومكمنا للحيوانات الأسطورية المخيفة، فصار بالأسلوب القرآني محببا إلى النفس، مقرّبا إليها لما عبر عنه "باليمّ" في عدة مواضع منها "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين" "القصص7"، ليشعر بالمنفعة التي فيه ذلك أن اليمّ مشتق منه التيمم وهو القصد "لأن المستنفعين به يقصدونه" مثلما عبّر عن ماء السماء "بالغيث"، "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته" "الشورى28" لأن فيه إغاثة الناس من القحط والجدب.
وعن تسخير البحر لتجري فيه الفلك بأمر الله. وبما أن الأنهار لا تنقطع صلتها بالبحر، فهي لم تعد كما كانت في التصور القديم آلهة، وقوى مستعلية على الانسان بل صارت مسخرة له "وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار" "إبراهيم32"، هذا التسخير منوط بقدرة الله فقدّم لفظ الجلالة إشعارا بذلك "الله الذي سخّر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره" "الجاثية12".
وإن تسخير البحر وغيره من عناصر الطبيعة ليس بمعزل عن تكريم الانسان وتثبيت كيانه في الحياة وسط عناصر الطبيعة المختلفة إذ هو وسيلة من وسائل التكريم بدليل قوله تعالى "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" "الإسراء70" فالانسان لم يعد تابعا لقوى الطبيعة وعناصرها، كما كان في العهد الجاهلي، بل أصبحت تلك القوى والعناصر تابعة له بما تحققه له من منفعة وخير.
ومنها ما يستخرجه الانسان من البحر من مأكولات وملبوسات وحلي "سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها" "النحل14" وضرب الله مثلا للحق وأهله، والباطل وقومه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية للناس فيحيون به وينفعهم، فقال تعالى "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال" "الرعد17". وأعجب من ذلك فمن الماء الذي ينزل من السماء على هيئة مطر لا يختزنه أحد بل هو يتجدد دائما "فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين" "الحجر22" إشارة إلى الدورة العظمى لماء الأرض ما بين سطحها وسمائها، أو غلافها الجوي، فالمطر هو مصدر المياء العذبة، وعليه يتوقف كيان الزراعة التي هي ينبوع الرخاء، ومورد الثروة الدائم، وإذا شحت كمية المطر عن معدّلها في مكان ما أجدبت الأراضي وأقحلت المراعي.
ومنذ القدم عرف الإنسان البدائي قيمة المطر لحياته، فكان يعالج شحّته بالسحر والشعوذة، وفي كثير من الشعوب المتحضرة، تستخدم الصلاة ومنها صلاة الاستسقاء، لتجود السماء بالماء، ولقد ثبت الاستسقاء بالكتاب والسنة، وربط ذلك بسلوك الانسان فجعل القرآن نزول المطر أو انقطاعها متوقفا على صلاح الانسان في هذه الحياة أو عدم صلاحه فيها، فمثّل بحكاية على لسان نوح عليه السلام "ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا" "هو52" أو بحديث عمن سلف من الأمم "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" "الأعراف96" فنقل القرآن الفكر البشري من التدجيل بالسحر والكهانة، لتحريك قوى الطبيعة وتخسيرها إلى الايمان، والعمل الصالح، والسلوك الصحيح لأن في ذلك كل الخير والبركة النازلة من السماء أو الخارجة من الأرض.
فلنتق الله ولنحمده على نعمه، ولنستقم ليستقيم لنا الكون، ولننعم بنعم الله تعالى، ونتمتع بها في هذه الحياة، ألم يكف أن الله تعالى كرم الإنسان "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" "الإسراء70"، فالماء أصل الحياة به نحيا ونتطهر.
الجمعة سبتمبر 04 2015, 15:39 من طرف Admin
» الإعلان (رقم 02) عن مسابقة الماستر
الجمعة سبتمبر 04 2015, 12:36 من طرف Admin
» لجنة تحضير مسابقة الماجستير للسنة الجامعية 2015-2016
الجمعة سبتمبر 04 2015, 12:35 من طرف Admin
» شكر وعرفان
الأحد يوليو 13 2014, 14:35 من طرف faradj
» هل تعرف رأي الله فيك؟
الخميس يونيو 12 2014, 13:44 من طرف مسلمة و أفتخر
» اجب بصراحة لتتعرف على نفسك
الخميس يونيو 12 2014, 13:32 من طرف مسلمة و أفتخر
» كلمات روعة معانيها
الأربعاء مايو 21 2014, 12:35 من طرف Ameralia
» رسالة ترحيب
السبت مارس 01 2014, 18:36 من طرف أمل
» ترحيب واستفسار
الخميس يناير 16 2014, 20:39 من طرف أمل